يحتاج مدمنو المخدرات إلى علاج، وليس السجن والعقاب، نعتقد أن هذا عنوان كافي لشرح الأزمة التي تحيط بمجتمعاتنا اليوم، حيث أظهرت إحصائيات مقلقة عن المجتمع الأمريكي الحديث، أن هناك نسبة كبيرة من السكان أكثر من أي بلد آخر في العالم، حوالي 2.3 مليون أميركي في السجن، ومنهم عدد كبير من المدمنين الذين هم بحاجة اكبر الى العلاج.
في حين يقول العديد من الخبراء إن الحرب على المخدرات هي التي أدت إلى مثل هذا العدد الهائل من السجناء، وقد أدت قوانين الحد الأدنى للإدانة الإلزامية إلى احتجاز الملايين من المخالفين الصغار في السجن، لكن هل يجب أن نعامل هؤلاء الناس كمجرمين أو كمرضى؟.
المدمنين وعقوبة السجن:
تظهر بعض الإحصاءات أن ما يصل إلى 65 في المائة من السجناء في الولايات المتحدة الأمريكية مدمنون على المخدرات، فبدلا من الحصول على العلاج المناسب، قد القاهم المجتمع في السجن من خلال القوانين القاسية.
أظهرت الدراسات أيضا أن هناك حوالي 11 بالمائة فقط من هؤلاء السجناء يحصلون على أي نوع من العلاج للادمان على المخدرات.
كما قال الخبراء في علاج الادمان، ان هؤلاء المدمنين يقضون وقتهم هباء، حيث إنهم يضيعون الوقت ويخرجون من السجن بدون المهارات اللازمة ليعيشوا حياة طبيعية، لا تتضمن المخدرات والأنشطة غير المشروعة المرتبطة بها، فما يحتاجه المدمنون هو علاج شامل وفعال وليس السجن.
من الجدير بالذكر ان سن قوانين العقوبات ضد مدمنين المخدرات يدء في الثمانينات، حين ظهرت أنواع جديدة من العقاقير المخدرة التي أدت إلى الكثير من الجرائم، بما في ذلك الجرائم الجنائية، ومع ذلك، فإن إصدار أحكام على الجناة القصر بالسجن بدلاً من تمكينهم من العلاج، أدى إلى وجود أعداد غير مسبوقة من المدمنين في السجون.
المرض العقلي ونظام العدالة:
في الواقع، يعاني العديد من متعاطي المخدرات والمدمنين من الأمراض العقلية، ويحتاج هؤلاء بالتالى الى معاملة خاصة، ولكن الواقع أنه لا يمكن أن يتلقى المدمن ولا المريض العقلي المعاملة المستحقة في السجن.
لذا يجب ان نعترف ان هناك نقص حاد في موارد التثقيف والتدريب والتأهيل في مجال الصحة العقلية في السجون، ومن هنا يكون المرضى العقليون الذين يتعرضون للاعتقال هم أكثر عرضة من غيرهم من نزلاء السجن لارتكاب جرائم عنيفة، وتشير التقديرات إلى أن نصف الأشخاص الذين قتلوا على أيدي الشرطة في مطاردات بوليسية في الولايات المتحدة الأمريكية، لديهم مشكلة تتعلق بالصحة العقلية.
بمجرد دخول هؤلاء السجن، غالباً ما يكونون ضحايا سوء المعاملة في السجن لأنهم يتصرفون بشكل غير طبيعة، فقد يخرقون القواعد أو يزعجون النزلاء الآخرين.
هل السجن اصلاح وتهذيب لمدمن المخدرات أيضا؟
يعد السجن إصلاح وتهذيب للمجرمين من شتى الفئات والمجتمعات، ولكن هل يمكن اعتبار مدمن المخدرات مجرم عادي، يستطيع السجن أن يترك اثراً ايجابياً فيه، وهل السجن هو المكان الصحيح الذي يجب ان يذهب اليه مدمن المخدرات؟
الاجابة على هذا السؤال واضحة، وهي لا، السجن ليس هو المكان المناسب الذي يجب ان يتواجد به مدمن المخدرات، بل يجب ان يتواجد في مصحة لعلاج الإدمان من المخدرات وإعادة التأهيل.
بالاضافة الى ما سبق، نشير إلى أن المدمن في كثير من الاحيان يكون قد تنصل للقيم التي يتبناها المجتمع، وارتكاب الكثير من الأخطاء في حق نفسه ومجتمعه وأسرته أيضا، فيكون قد اكتسب عدد من السلوكيات المشينة مثل الكذب والسرقة وقد يصل به الامر الى ارتكاب الجرائم بأنواعها، ولذلك فقد يكون السجن هو المأل المناسب او العادل لمدمن المخدرات في هذه الحالة، ولكن يلزم ان يتلقى المدمن العلاج داخل مؤسسة لعلاج الإدمان على المخدرات (مستشفى الامل) قبل ان يتم الحكم عليه بالسجن.
فقد يساعد السجن مدمن المخدرات على التوقف عن التعاطي بسبب الفترة التي يقضيها المدمن بعيداً عن المخدرات داخل السجن، ولكن هذا لن يجعل المدمن يتراجع عن سلوكه الإدماني ولن يغير الأسباب التي دفعته الى الوقوع في فخ الإدمان، ولن يجعله يقتنع بأن الإدمان سلوك سلبي.
المدمنين والقانون المصري:
يذكر ان القانون المصري، قد حاول اعطاء فرصة لـ”المدمن” من الناحية الانسانية، حيث انه اقر بأحقيته في طلب العلاج من الإدمان، وأقر القانون أيضا عدم ملاحقته إذا استمر المدمن في طلب العلاج وتابع البرنامج العلاجي، كما انه ايضا قد حدّد طريقة العلاج وكلّف “لجنة مكافحة تعاطي المخدرات” مراقبته وتحويله الى مراكز الدولة للعلاج من الادمان من كافة النواحي أي على الصعيد الجسماني والنفساني.
لكن لم يتعدّ هذا القانون حدود النصوص الى التنفيذ الحقيقي على أرض الواقع، وبقى معلّقا بسبب عدد من الأمور والعوائق، وحتى يومنا هذا لم يُعف أي تعاط للمخدرات من الملاحقة القانونية التي قد تنتهي بالسجن لعدد من السنوات، بالاضافة الى الاحكام الصارمة التي قد تتهم المتعاطي للمخدرات بتهم الترويج والاتجار بالمخدرات فتزداد عدد ينون الحكم عليه، والنقطة السوداء في القانون المصري لا تزال قائمة، لتحصد عدد أكبر من المدمنين وتجعلهم يحيدون اكثر عن الطريق السليم.
في حين أكدت الدراسات النفسية على ضرورة تحويل النزلاء المتعاطين للمواد المخدرة لمركز التدريب والتأهيل لعلاجهم من الإدمان، والتعامل معهم على أساس أنهم مرضى وليسوا مجرمين، وعلى انهم بحاجة ماسة للعلاج، حتى يعودوا أفراد منتجين لأنفسهم ومجتمعاتهم، ودعا خبراء علم النفس الى إعطاء المدمن فرصة جديدة لعدم التعاطي بإجراء الفحص الدوري لعلاجه عوضاً عن عقوبة السجن له، ذلك مع ضرورة عدم إغفال استمرار هؤلاء في وظائفهم، وتوفير مكان مخصص لهم لمنع اكتسابهم خبرات سلوكيات ادمانية غير لائقة بطريقة أو بأخرى.
0 Comments