تقرير: الترامادول وداعش

تقرير: الترامادول وداعش

السلطات الإيطالية تضبط أكثر من 24 مليون قرص من عقار الترامادول بقيمة 50 مليون يورو كان داعش ينوى بيعها لتمويل هجمات فى أنحاء العالم

الجارديان: معدلات دخول "الترامادول" إلى مصر وليبيا زادت إلى درجة كبيرة

عقيدة تم بناءها على القتل والنهب، وسلب مقدرات البلاد لا يختلف عن سفك الدماء وتشريد أصحاب الديار والوطن، تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" لم يترك شاردة أو واردة إلا وعكر صفوها، وبرغم انقضاضه على أبار البترول فى العراق وليبيا، والذهب فى سوريا، وغيره من النهب المنظم للتاريخ، وربما الجغرافيا، لم يتوارى خجلاً أن يُنحي شعاراته الدينية جانبًا عندما يتم الاتجار فى المخدرات لجنى الأرباح ولتغطية مصادر الدخل الخاصة بالتنظيم لتمويل عملياته الخسيسة.

تكم حيرة أطباء علم النفس والمتخصصين فى الادمان هنا هل هناك حبوب أو أنواع جديدة من المخدرات اكتشفتها داعش أو بمعنى أدق "خلقتها" أى صنعتها بجانب تعاطي عناصر التنظيم الإرهابي لمثل هذه المخدرات التى تساعدهم فى الاستمرار فى القتال لساعات؟

نكشف من خلال هذا التقرير حجم تجارة داعش فى المخدرات..

بعد إعلان السلطات الإيطاليّة فى نوفمبر 2017عن ضبطها أكثر من 24 مليون قرص من عقار الترامادول كان ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" ينوي بيعها لتمويل هجمات في أنحاء العالم، وأفاد بيان بأن شرطة الأموال ومسؤولي الجمارك ضبطوا الأقراص في ميناء جويا تورو للحاويات أكبر الموانئ الإيطالية، وتعاونت إدارة مكافحة المخدرات الأميركية في التحقيق، وظهرت قوات الشرطة في تسجيل مصور وهي تفتح حاوية مليئة بصناديق الترامادول، وهو مسكن قوي للألم لا يصرف عادة إلا بموجب تذكرة "روشتة" طبية.

وقال رئيس محكمة في جنوب إيطاليا إن السلطات ضبطت أكثر من 24 مليون قرص من الترامادول  كان "داعش" ينوي بيعها لتمويل هجمات في أنحاء العالم، وأضاف إن الكمية المضبوطة تساوي 50 مليون يورو بالنظر إلى أن متوسط سعر القرص الواحد يبلغ نحو 2 يورو، وقال محققون أجانب للمحكمة أن الواقعة في مدنية "ريجيو كالابريا"، وإن الأقراص تخص "الدولة الإسلامية".

وقال "فيدريكو كافيرو دي راهو" كبير ممثلي الإدعاء في "ريجيو كالابريا" إن مبيعات الأقراص المخدرة كان يديرها مباشرة تنظيم "الدولة الإسلامية" لتمويل الأنشطة الإرهابية التي ينفذها في أنحاء العالم، وأضاف كالابريا أن ذلك كان جزء من الأرباح غير المشروعة لتجارتهم سيستخدم لتمويل الجماعات المتطرفة في ليبيا وسوريا والعراق، وأكد كبير ممثلي الادعاء أن السلطات الايطالية تمكنت من ضبط شحنة أكبر في ميناء جنوة بإيطاليا في مايو 2017.

فيما قالت صحيفة الجارديان البريطانية أن السلطات الإيطالية صادرت 24 مليون قرص من الترامادول في ميناء جيويا تورو ويشتبه أن هذه الشحنة كانت في طريقها إلى مقاتلي تنظيم داعش في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وأشارت الصحيفة إلى أن مقاتلي التنظيم يستخدمون الأقراص في تقليل الألم وتعزيز قدرتهم على التحمل، واستطاعت السلطات إيقاف هذه الشحنة القادمة من الهند إلى ليبيا بمساعدة عناصر مكافحة المخدرات، ويعتقد رجال الشرطة أن الحمولة جزء من دائرة تهريب بهدف بيعها لمقاتلي تنظيم داعش الإرهابي بمقابل 2 يورو للقرص، مما يكلف التنظيم حوالي 50 مليون يورو تقريبًا.

وقال المحقق جايتانو باتشي، إن هناك علاقات بين تنظيم داعش وبين منظمة مافيا قوية في إيطاليا تحت اسم "ندرانجيتا"، ومن المعروف أن ميناء "جيويا تورو" معروف بتجارة المخدرات، وصادرت الشرطة كميات كبيرة من الكوكايين هناك، وقال باتشي لصحيفة "لا روبابليكا" الإيطالية إن كل شئ يمر عبر "جيويا تورو، ولذلك لا مفاجأة في إيجاد مواد من هذا النوع هناك، وتابع أنهم علموا بعلاقات بين "ندرانجيتا" وبين منظمات في الشرق الأوسط.

 وقالت الجارديان إنه بسبب سعره الرخيص وصلت معدلات دخوله إلى مصر وليبيا إلى درجة كبيرة، وتابعت الصحيفة أن مجموعة كبيرة من المقاتلين لصالح جماعة "بوكو حرام" الإرهابية في نيجيريا يتعاطون هذا الأقراص أيضا، وفى سياق متصل ضبطت فرقة مكافحة المخدرات والأسلحة التابعة لوحدة الجرائم المالية اليونانية بالتعاون مع إدارة مكافحة المخدرات الأميركية 26 مليون قرصًا يحتوي على "الترامادول" المخدر ووصلت الشحنة إلى ميناء "بيريوس" أكبر الموانئ التجارية اليونانية قادمة في حاوية من نيودلهي في العاشر "مايو" 2017، وقال مدير الفرقة "لوكاس داناباسيس" إن السلطات اليونانية تحركت بناء على معلومات من الإدارة الأميركية، وأضاف أنه تم ضبط الحبوب مكدسة خلف صناديق مفروشات منزلية وهي الشحنة المدرجة في مستندات الشحن، وذكر "داناباسيس" أن السلطات تحقق في ما إذا كانت الحبوب في طريقها لمتشددي "داعش".

وقال لوكاس داناباسيس أن الشركات الضالعة في القضية هى الشركة التي أرسلتها والشركة التي كانت ستستقبلها في ليبيا، والتى سبق أن شاركت في عمليات نقل من هذا النوع لا سيما أن الشركة الكائنة في ليبيا يشتبه في أن لها صلات بـ"داعش" ولم تذكر السلطات اليونانية أسماء الشركتين الضالعتين في عملية النقل، وقدرت قيمة المواد المخدرة بنحو 13 مليون دولار.

لكن "الدواعش" على النقيض من تلك المبادئ الشرعية المعروفة فهم لا يتورعون عن ارتكاب المحظورات واقتراف المحرمات طالما أن مصلحتهم تقتضي ذلك فبعد هزيمة التنظيم فى بلاد العراق وسوريا جفت منابع تمويله الرئيسية، بما في ذلك المواد النفطية والغاز وجباية الضرائب من السكان المحليين ومصانع الإسمنت والفوسفات فإنه من المحتمل أن يدفع كل هذا التنظيمَ إلى البحث عن موارد جديدة للتمويل فاتجه التنظيم إلى أسرع الطرق للكسب وهى "المخدرات" لجمع الأموال.

وأفادت تقارير إخبارية جرى تداولها مؤخرًا بأن التنظيم الإرهابي تورط في تجارة المخدرات لتعويض ما يعانيه من خسائر اقتصادية في الآونة الأخيرة، ومن ذلك المقال الذي أوردته مجلة "Fortune" للكاتب السياسي كولين كلارك، والذي تحدث فيه عن الموارد المالية والمصادر التمويلية لتنظيم داعش.

ويرى الكاتب أن من بين أكبر النتائج التي تمخضت عنها ثورات الربيع العربي التي اجتاحت الشرق الأوسط  على المستوى "الجيوسياسي" ظهور طرق وشبكات جديدة للتهريب والاتجار بالمخدرات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بجانب استفادة الجماعات الإجرامية والمنظمات الإرهابية من حالة عدم الاستقرار المستمرة في المحاور الجغرافية الرئيسية بمنطقة المتوسط فالتنظيم ومقاتلوه على دراية بمميزات، مثل تلك الحالة من عدم الاستقرار وطالما أكدوا في مجلاتهم الإلكترونية التي يصدرها التنظيم بهدف الدعاية وتجنيد مقاتلين على أن مناطق الصراع مثل أوكرانيا وسوريا تقدم فرصا وفيرة لإقامة صلات بين شبكات العمل الإجرامي السرية.

وفي شهر سبتمبر كشفت صحيفة "The New York Times" عن طريق جديد للاتجار بالمخدرات يمتد من صقلية إلى ليبيا اكتشفه الأسطول الإيطالي، كما كشف تحقيق أجرته إيطاليا وغيرها من الدول الأوروبية بالتعاون مع إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية أن المخدرات دخلت الإقليم الذي تسيطر عليه الدولة الإسلامية في ليبيا، ويحتمل أنه تم فرض ضرائب عليها من قبل التنظيم الذي اتبع نفس الإجراءات في العراق وسوريا.

كما كشفت تقارير أخرى عن معاملات بين مقاتلي داعش في ليبيا والمنظمات الإجرامية الإيطالية المتمرسة بالإضافة إلى تقرير يكشف عن حمولة تحتوي على مليون قرص مخدر "ترامادول" تم التحفظ عليها الصيف الماضي من قبل السلطات اليونانية، وكانت هذه الشحنة خارجة من الهند ومتجهة إلى ليبيا وتابعة لكيانات الدولة الإسلامية، وأورد الكاتب بحسب ما ورد بتقرير مرصد الأزهر عددًا من الوقائع الأخرى ومنها أن جماعة جند الإسلام التابعة لتنظيم داعش في شمال إفريقيا تربحت من تقديم الحماية المسلحة لتجار الكوكايين في شمال إفريقيا، كما قالت جريدة الشرق الأوسط إن داعش حقق أرباحًا من تجارة الحشيش بنقلها من العراق عبر سوريا وتركيا إلى أوروبا، وهذا كله يبين أن مقاتلي داعش ليسوا فقط متورطين في أعمال التربح من المخدرات، بل إنهم يتعاطونها أيضا فالعديد من التقارير ترى أن الإرهابيين يتعاطون مادة "الكبتاجون" المسماة بـ"حبوب الجهاد"، وهو منشط ومنبه يعمل على كبت مشاعر الألم ويزيد من الابتهاج مما يتيح للمقاتلين البقاء متيقظين في المعارك الطويلة، وقد أشارت تقديرات المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية وهي منظمة غير حكومية تخصصت في دراسة الجريمة المنظمة إلى أن حجم سوق الكبتاجون قد يصل إلى 1.39 مليار دولار وأن العصابات الإجرامية من سوريا وبلغاريا وغيرها من الجماعات الإرهابية، والتى يعتقد تورطها في إنتاج وبيع الكبتاجون في الشرق الأوسط.

وأشار مرصد الأزهر فى تقريره إلى أن التورط في جرائم لاسيما الاتجار  بالمخدرات يمكن أن يقود الشخص إلى السجن وهو في بعض الحالات محضن أو مفرخة التشدد الديني والتطرف المتسم بالعنف وعندما يتم أدلجة المجرمين تزيد احتمالية تورطهم في التخطيط لهجمات إرهابية وتنفيذها. وطبقا لتقرير برلماني2012، Europe’s Crime-Terror Nexus: Links Between Terrorist and Organised Crime Groups in the European Union, أشار التقرير إلى أن تغلغل الهجمات الجهادية مرتبط بالجريمة بما في ذلك الاتجار في المخدرات. 

والعديد من مجندين داعش لاسيما من أتوا من أوروبا اعتمدوا على تجارة المخدرات كوسيلة لاستجلاب عائد بسيط بحسب خبير مكافحة الإرهاب السويدي "ماجنوس رانستورب" الذي أسمى هذه العملية "التمويل المصغر للخلافة"، وهذه العائدات من المخدرات أتاحت للإرهابيين في أوروبا مرونة مالية بحيث يسافرون من وإلى سوريا، بالإضافة إلى ادخار المال للمساعدة في شراء لوازم التخطيط للهجمات الإرهابية مثل الأسلحة والمعدات والهواتف النقالة. 

من جانبه يفسر الدكتور جمال فرويز أستاذ الطب النفسي جامعة القاهرة "أن عقار الترامادول يحمل أسماء تجارية مثل ونترمال و ترامولين" ويستخدم كمسكن للألم وإزالة الشعور بالتعب والإجهاد وعن سر تعاطي الدواعش لهذا العقار  أكد أن الجرعات الزائدة من هذا العقار تلغي الفكر ووعي الفرد كما تجعله ينفذ ما هو مطلوب منه بدون أي معارضة أو حتى منافشة، وأشار "فرويز" إلى أن الكارثة الأكبر تتمثل في تناول هذا العقار مع عقار الكلوزابين، والذي له تأثير سلبي على نفسية الفرد ويجعله مجرد تماما من إنسانيته ولا يفكر إلا في رغباته الوحشية، والذي يسعى لفعل أي شيء من أجل إشباع هذه الرغبات فقد يقتل أو يغتصب أو يعذب بمنتهى الوحشة وغيرها من الأعمال البشعة.

وأكد أستاذ الطب النفسي جامعة القاهرة أن هذا العقار له تأثير سلبي على نفسية الفرد على المدى الطويل فيدمر الخلايا العصبية داخل المخ، كما تؤثر على مادة "الأبومورفين" التي يفرزها المخ بشكل طبيعي فضلا عن تأثيراته الأخرى على الكبد والكلى.

اترك رد